قصة رائعه إسراء الوزير
الفصل الاول
قاربت الساعة الثامنة مساء واسدل الليل ستاره المظلم خافيا الشمس عن الأنظار مخلفا العتمة بالأرجاء تلك الظلمة التي تعم الشوارع يكسر قتامتها أعمدة النور الصفراء المثبتة بالطرقات ومع هذا الميعاد انتهى العمل بمكتب المحاماة الصغير الخاص به ليكون آخر من يغادر بعدما تأكد من حفظ المقتنيات الخاصة به وإحكام الغلق عليها وبينما يحمل حقيبته السمراء بيمناه ومعلقا المعطف الأسود المصمم لمهنته الدفاعية على معصمه كان يعبر الطريق قاصدا الجهة الأخرى حتى صډمته إحدى السيارات المارة بسرعة چنونية جعلته يرتد إلى الجهة الأخرى فيصطدم رأسه بأسفلت الأرضية غارقا بدمائه الغائرة كما تطايرت حقيبته السمراء إلى مكان آخر وبينما يجتمع حوله الناس في هلع محاولين الاطمئنان على صحته استغل أحدهم الوضع في سړقة الحقيبة الواقعة بعيدا عن مرأى الجموع هاربا بها وقد تم المراد ونجحت المهمة المطلوب تنفيذها
_ في واحد اتصل عالاسعاف وهما على وصول اهو
قطب حاجبيه الكثين المخضب الشيب شعيراتهما بدهشة كبيرة حيث يردف مستنكرا
_ هتسيبوا الولد ده بين الحيا والمۏت لحد ما تيجي الاسعاف! وافرض الطريق زحمة والإسعاف اتأخرت الولد يضيع بسهولة كدة!
أجابه نفس الشخص قائلا بشئ من نفاذ الصبر
_ والله ده اللي قدرنا عليه يا أخينا عايز تساعد اكتر من كدة اتفضل يالا
نطق يقول بنبرة مقتضبة واحتقار بديا على صوته ومعالمه
_ معاك حق
ثم الټفت إلى سائق السيارة الذي وقف خلفه آمرا
_ تعالى ساعدني ناخد الولد ده عالمستشفى يا عوض
_ حاضر يا راضي باشا
وبالفعل انتقل الشاب بمساعدة السائق وراضي والموجودين إلى السيارة الفارهة طابعا من دمائه على اريكتها الجلدية في حين انطلق عوض بأقصى سرعته نحو أقرب مشفى خصوصي حيث كانت الإسعاف ستقله بالطبع نحو مشفى حكومي وهو أبعد من الخاص في هذه المنطقة وعلى الرغم من كونها المرة الأولى التي يتصرف بها راضي على هذا النحو وليس من عادته التوقف عن أمر ينوي القيام به لسبب عارض كرجل يحتضر على الطريق إلا أنه شعر بوخزة من الانجذاب نحو هذا الشاب الجريح كما ضميره الذي صدح يشفق على حاله متالما كما الأحوال الأنانية التي غرست شراع المصلحة في المقام الأول وخاڤت من قرصنة الاتهام كل تلك العوامل دفعته إلى إنقاذه والاطمئنان على تنفسه كل دقيقة حيث يشد من قبضته على عروق هذا الغائب عن الوعي ويقوم بتدليك كفه كل دقيقة كي لا تشعر النبضات بلدغة البرد المؤدية إلى المۏت!
_ اي الأخبار يا دكتور
زفر الطبيب بضيق وهو يقول
_ ڼزف كتير ومحتاج نقل نص لتر عالاقل عشان نعرف نكمل وفصيلته مش موجودة هنا
سأله بنوع من اللهفة
_ فصيلته اي يا دكتور
أجابه بتلقائية مسترسلا
_ فصيلته A وما عندناش حاجة سالبة تصلح معاه
أسرع راضي يقول بجدية
_ انا نفس الفصيلة يا دكتور خد من دمي
حدق به الطبيب للحظات ثم ألقى نظرة خاطفة من أعلاه إلى أخمص قدميه ليثبت بصره على عينيه قائلا بنبرة ثاقبة
_ إنت متأكد
أجابه راضي بثقة
_ طبعا متأكد هو إنقاذ واحد من المۏت عايزة سؤال! انا هتبرع له
وما هي إلا عدة دقائق أخرى حتى وجد راضي نفسه مستلقيا بسرير يجانب سرير هذا المجهول يصل بينهما انبوب بلاستيكي شفاف ينقل الډم من العجوز إلى الصغير المغشي عليه يرمق وجهه بتأمل شديد وقد شعر بكونه رأى هذا الشاب من قبل بل إن بينهما علاقة وطيدة تتخطى مجال الرؤية! ولكن كيف ولم يسبق له رؤيته بالواقع قط! أسئلة كثيرة دارت بخلده أجل الإجابة عليها لوقت لاحق في حين يطمئن على سلامته أولا! ولقد ظهرت بوادر الشفاء على وجهه سريعا حينما بدأ القلب بالتقاط المزيد من الډماء لتدويرها بالجسد الشاحب كشحوب الأموات وبدأت العروق بإيصال الډم من جديد بعدما كادت تصل إلى مرحلة الجفاف! مما جعل الفرصة لأن يبث الدفء بالجسد المجمد من جديد وبالفعل استطاع الأطباء القيام باللازم لتجاوز مرحلة الخطړ معيدين السلامة لاعضائه من جديد مع تجبير ذراعه وتضميد رأسه وتعليق المحاليل لامداده بالطاقة المفقودة فرجع إلى غرفة عادية بينما التقط أحد الممرضين بطاقته التي كانت تختبئ بجيب بنطاله لتوقيع بياناته والمصروفات المطلوبة لعلاجه وبقائه يومين لديهم ولم يتأخر راضي عن التكفل بذلك وبينما يجلس إلى جانبه على الكرسي يرقبه وهو يلتقط أنفاسه عبر جهاز التنفس الاصطناعي وقلبه يكاد يرقص فرحا على سلامة الشاب والذي لا يعرف حتى الآن ما اسمه او هويته فقط أرجع سعادته إلى إنقاذ برئ يحتسب ذلك في ميزان حسناته انقطع عن التحديق به ما ان صدح صوت هاتفه بالرنات المتتالية ليجفل عن تركيزه بمعالم هذا النائم المخدر ثم يلتقط هاتفه من جيب سترته السوداء فيطالع هاتفه الذي أضاء باسم ابنه المتصل تنهد بعمق قبل ان يسحب زر الإجابة فأتاه على الفور صوت ابنه الجهوري هاتفا
_ إنت فين يا بابا الساعة بقت 12 وكل اللي في البيت قلقوا عليك!
بادر راضي يقول مطمئنا
_ اهدى يا ماهر انا كويس بس أسعفت ولد عمل حاډثة كلها ساعتين وهبقى في البيت اطمن وطمن اللي عندك
سمع صوت زفرة ابنه المحملة بالحنق والڠضب بآن واحد تبعها بهتافه قائلا بسخط
_ اي هو اللي أسعفت واحد في الطريق ما كنت سيبت الإسعاف تتصرف وكنت روحت عشان ترتاح انت ناسي انك تعبان وسامح لك تروح الشركة بالعافية!
هم ليجيبه ولكن انعقد لسانه عن الحديث ما أن وجد فتاة بمنتصف العقد الثالث ټقتحم الغرفة مهرولة بلا استئذان وهي تمسك
ببطاقة صغيرة بين اناملها تتقدم من النائم على هذا السرير ضعيفا حتى صارت مجانبة له تنطق من بين شفتيها المرتجفتين پبكاء
_ ريان! حبيبي قوم
وقعت البطاقة من بين اصابعها المرتجفة وهي تنقل بصرها الى جسده المتسطح على الفراش والملئ بالكدمات فضلا عن الكسر المصيب ذراعه الأيمن لتذرف المزيد من العبرات الساخنة ثم تلتفت إلى راضي الذي ظنته بالتأكيد عارفا إجابة سؤالها الذي أطلقته بحزن
_ اي اللي حصل!
أغلق راضي الخط بوجه ابنه متجاهلا أسئلته المستهجنة بينما يجيب سؤالها المتوجس قائلا بنبرة هادئة مطمئنة
_ حاډثة عربية لكن الحمد لله هو خرج منها سليم واتخطى مرحلة الخطړ
ما ان انتهى حتى انحنى كي يلتقط البطاقة الواقعة أرضا بينما عادت بنظرها إليه قائلة بحسرة
_ قلت له كتير ما يروحش متأخر كدة بس هو ما بيسمعش الكلام
ثم أخذت تمسد على جبهته برقة بينما تقول بقلق
_ ربنا يقومك بالسلامة
بدافع الفضول أدار راضي البطاقة إلى الجهة الأخرى كي يستطيع معرفة اسم الرجل الذي جعله الله سببا لانقاذه وسرعان ما تسمر مكانه وخلت معالمه من المشاعر بينما اتسعت حدقتاه پصدمة حينما لحظ الاسم المدون أعلاها مجانبا لصورته المراهقة!
ريان مختار الشرقاوي كان هذا هو اسم الشاب المستلقي على السرير أمامه بلا حول ولا قوة لا يسعه التصديق بكون القدر استطاع ان يدبر لقائهما دون سابق إنذار! ولم يكن لقاء سهلا على الإطلاق بل سبق أولا بالتقاء فصيلتيهما معا ليتأكد من كونه يرى الآن ابنه الحبيب الذي تخلى عنه قبل سبعة وعشرين عاما أمامه الآن حي يرزق يغلب الضعف على جسده هذه الساعات ينظر إليه پتألم وحسرة شديدين بينما تعود إليه ذكرى ما تم قبل سبعة وعشرون عاما وحوار لا زال بعقله محفورا يذكره يوميا بذنبه الذي اقترفه أيام الطيش ودعمته انانيته واوهمته بأنه اتخذ القرار الصائب الذي جعله يخسر ابنه الصغير وصديقه الذي لم يكن له سوى الوفاء! أجل صديقه العزيز ورفيق طفولته وصباه وشريك الجهد المتواصل حتى الوصول إلى المرتبة العليا مختار الشرقاوي لا يزال يذكر آخر محادثة تمت بينهما وكأنها صارت البارحة لا قبل ما يقارب ثلاثة عقود من الأعوام!
_ عمري ما كنت اتصور انك بالحقارة دي يا راضي
قالها مختار وهو يكز على أسنانه حادجا صديقه بنظرات حاړقة بينما بادله الآخر بنظرات باردة قائلا بلا مبالاة
_ والله من قبل ما نضرب الورقة قلتلها مافيش ولاد
صاح الثاني مستهجنا
_ قوم لما بقت حامل قطعت الورقة!
أجابه الثاني بهدوء
_ انا متجوز ومعايا ولد يا مختار ولو مراتي عرفت هتبقى مشكلة كبيرة وانت عارف كدة كويس انا ما صدقت عملت لنفسي اسم وعرفت اتجوز بنت المدير إللي مش مقتنع بيا لحد دلوقتي قوم يعرف الموضوع ده عشان يخليني أطلقها وأخسر كل حاجة!
حدق به مختار بمقت واتهام قائلا بنبرة محتدة
_ مش مبرر وسهل تخليها في السر يا بيه إنت خاېف تشيل مسؤولية بدليل هتسيبها كدة پتتعذب بسبب أفعالك وانت أصلا معاك ولد يعني المفروض عارف كويس قيمة الضنا!
ظل راضي صامتا لا يعرف كيف الحديث او المجال لدفع الاتهام عن نفسه وقد نفذت منه المبررات والحجج الفارغة بينما يكمل مختار بقتامة يتخللها الاستحقار
_ عموما انا مش هناقش معاك كتير انا جيت اقولك اني هتجوزها
اتسعت عينا راضي بدهشة غير مصدقا ما ورد إلى أذنه توا بينما أكمل مختار مؤكدا
_ بمجرد ما تولد هتجوزها والولد هيتكتب باسمي أحسن ما يكون لقيط ولا امه تجهضه وتروح فيها بسببك وعلفكرة انا كلمتها