ابنة القمر فاطمة الألفي
المحتويات
ابنة القمر
رواية
بقلم فاطمة الألفي.
الشمس من النعم التي أنعم بها الله على بني آدم جميعا فمنها تنسدل أشعة ذهبية مبهجة تنشر البهجة والسرور
في جميع أرجاء الأرض ومنها استفاد ابن آدم كطاقة كبيرة يستخدمها بحياته اليومية والاستمتاع بدفئها في
الشتاء القارس إلا أنه يوجد فئة قليلة كتب عليهم التزام منازلهم والبقاء في الأماكن المظلمة في انتظار حلول الليل.
وإنما هم أعداء الشمس أو الشمس عدوة لهم
إنهم أطفال القمر.
الفصل الأول
ابنة القمر
لا تكره الشمس ولكن تحلم باليوم الذي تعانق به أشعتها الذهبية ولكن تخشى حدوث ذلك.
لم تسلم من كثرة الأقاويل حولها تتعرض دائما لتنمر ولكن أرادت أن تتحدى نفسها وتثبت للجميع بأنها القوية التي تقدر على التحدي وتتغلب على معاناتها.
وإذا لم يتم حجبه يتطور المړض ويتحول مع مرور الوقت إلى سړطان الجلد ويطلق على حاملي المړض أطفال القمر.
دقت بأناملها ما تكنه داخلها من شعور خفي.
تلك الحياة هي غربتي لم أحسها منذ أن كنت طفلة صغيرة وأنا حبيسة غرفتي وأشعر بالغربة فكل من حولي ينظر لي وكأنني منبوذة فأنظر إلى نفسي في المرآة وأدقق النظر بوجهي ولكن لم أشعر بالنفور أو القبح.
فقد ميزني الله تعالي بوجه حسن ولكن أتساءل داخلي كل ليلة وأنا بين جدران تلك الغرفة ماذا يرون بوجهي كي يجعل الجميع ينفرون من لقائي والتطلع إلى وجهي!
أحبك يا أمي يا أعظم نساء الكون يا بئر أماني ومنبع حناني
حاتم شريف كابتن طيار أربعة وثلاثون عاما ذو بشړة قمحية وعينين بلون أوارق الشجر الأخضر شعر بني ناعم ولحية وشارب يزيدون من وسامته متعدد العلاقات بالچنس الآخر.
بمدينة روما الساحرة كان داخل غرفته بالفندق ينعم ببعض الوقت مع الفتاة التي تعرف عليها ليلا داخل الملهي الملحق بالفندق واصطحبها معه لغرفته لقضاء وقت ممتع معا.
وبعدما بدل ثيابه وارتدى بذلته الخاصة ككابتن طيار اقتربت منه تلك الفتاة وهمست أمام شفتيه بعد أن طبعت قبلة رقيقة أعلاهما
مذهل بهذه الثياب.
ابتسم بغرور وهتف وهو يضع الكاب أعلى خصله البنية
أنا مذهل في جميع أحوالي.
سوف أشتاق إليك.
طبع قبله رقيقة أعلى وجنتها وقال وهو يهم بمغادرة الغرفة
وانا أيضا سوف أشتاق إليك عزيزتي.
هل سنلتقي مرة أخرى
لاحت شبه ابتسامة وقال ساخرا
ولم لا
ثم غادر الفندق على الفور وهو يسحب حقيبته خلفه يتنفس الصعداء ويهمس داخله
لقاء ثاني! تتوهم ذلك هو لقاء واحد وكفى أنا مثل الطير أغرد من غصن لغصن آخر بلا أغلال تقيدني.
بالقاهرة داخل منزل حورية
طرقت والدتها باب غرفتها ثم دلفت برفق تركت الحاسوب وتطلعت إلى وجه والدتها البشوش لتقف حورية خلف ابنتها وهي تحاوط كتفها ومالت على أذنها قائلة
حبيبة ماما ممكن ترك الحاسوب من يدك الآن وتخرجين لتجلسي مع أولاد خالتك فالجميع ينتظرك وأنا سوف أصنع البيتزا الشهية لتناول العشاء معا.
أغلقت الحاسوب على مضض ثم هزت راسها بالإيجاب
سوف ألحق بك.
تركت حورية الغرفة ثم توجهت إلى المطبخ لتعد لهم وجبة العشاء اما عن وتين فزفرت بضيق وهي تغادر غرفتها متوجهة لغرفة الصالون لكي ترحب بخالتها وابنيها التي لم تسلم من سخافة لسانهما السليط فهي تبغض التعامل معهما من أجل أنهما دائما الاستهزاء بها.
وقبل أن تدلف لداخل الغرفة استمعت لهمسات خالتها وهي تقول لابنها البكر نادر
ما رأيك في ابنة خالتك اريدك أن تتزوجها فلن تجد فتاة مثلها فلديها من الجمال ما يسر الناظرين وعلى خلق حسن حقا فتاة لا مثيل لها وإذا قبلت بها فستظل دعواتي تلاحقك.
ضحك نادر بصخب ثم نظر لوالدته
حقا تريدين أن أتزوج ابنة خالتي وتين!
ثم استطرد قائلا باستهزاء مبطن
وماذا أفعل بها إذن أنا أريد زوجة أظهرها لكل من حولي أصطحبها معي بكل مكان وابنة شقيقتك لن تكون الزوجة المناسبة لي.
ضحكت شقيقته ومالت على نادر قائلة بمرح
يا للعجب! فإذا تزوجت بها فتكون
زوجة في الليل فقط.
أردفت قائلة بسخافة
ولكن عليك أن ترضى بها وتتزوج بغيرها زوجة بالنهار وتترك وتين لظلام الليل التي تعشقه فسوف تكون
محظوظا يا اخي.
هتفت والدتهما پغضب
اصمتا لا أريد سماع تلك الترهات أجننتما لماذا تتحدثان عن ابنة شقيقتي بهذا الاستهزاء
ثم رمقت نادر بنظرات غاضبة
وأنت من أين علمت بأنها سوف توافق عليك زوجا لها ألا ترى نفسك وأفعالك الحمقاء فأنت زير نساء والله لا أرضى بك لوتين فأنت لم تدرك قيمة تلك الجوهرة النادرة.
انسابت دموعها وعادت أدراجها إلى حيث غرفتها فقد سئمت ذلك التنمر الذي يلاحقها منذ أن كانت فتاة صغيرة بالروضة وإلى الآن لم تسلم من نظرات المقربين.
بمكان آخر بعيدا عن ازدحام القاهرة وشوارعها بمدينة العالمين كان شاب وسيم يسبح داخل حمام السباحة الملحق بفيلته شاب قمحي طويل القامة بجسم رياضي ذو ثلاثين عاما.
يتميز بشعره الأسود الكثيف الذي يغطي عنقه وعينين بلون العسل وغمازة بذقنه تزيد من وسامته.
أتت الخادمة تهتف منادية إياه
سيد أمان أشرقت هانم هاتفتك كثيرا وأخبرتني بضرورة الاتصال بها.
كان يسترخي بجسده داخل المسبح ولكن عندما ركضت إليه الخادمة وهي تحمل بيدها هاتفه الخاص نهض من المسبح ثم التقط منها المنشفة وضعها أعلى شعره المبتل وسحب البرنس الخاص به وارتداه ثم التقط منها الهاتف وهو يضعه أعلى أذنه واشاح بيده لكي تغادر
حسنا عودي إلى عملك.
بعدما غادرت الخادمة المكان جلس أعلى المقعد يرتشف القليل من كوب العصير الذي أمامه ثم ضغط زر الاتصال ليستمع لصوتها الجلي الذي كاد أن يخترق أذنه وهي تصيح به
لماذا لم تأت إلى الآن أنسيت أمر الافتتاح غدا وانت ما زلت تتنزه أريد حضورك على الفور استقل أول طائرة للعودة فهمت!
لم تعطه فرصة للحديث فقد أغلقت الهاتف بعد أن أصدرت أوامرها.
زفر بضيق وهو ينهض من مجلسه ثم سار بخطوات واسعة ليدلف داخل الفيلا ثم الصعود إلى حيث غرفته وهو يحدث نفسه قائلا
الهانم أصدرت الفرمان ووجب علي التنفيذ.
سحب منشفة ودلف لداخل المرحاض لينعش جسده بالماء البارد لعله يخمد ثورة غضبه فقد سئم ذلك التسلط المقيد به من والدته فمنذ أن كان طفلا صغيرا لم يتعد عمر الثامنة وهو يعاني ذلك الجفاء وتلك القسۏة التي تعامله بها والدته ولا يعلم ماذا اقترف من ذنب لتعامله هذه المعاملة فقد تمنى أن يتنعم بأحضانها الدافئة وتغمره بحنانها وتمطره من وابل المشاعر الذي افتقدها منذ الصغر.
ولكن هيهات فهذه السيدة القاسېة جعلته يسأم تلك الحياة كأنه جسد بلا روح آلة إلكترونية تنفذ أوامر صاحبها فقط.
بعدما أغلقت الهاتف نظرت لزوجها بضيق
لا أعلم متى سيهتم بعمله
هتف خالد مدافعا عن أمان
أخبرتك مرارا بأن عليك أن تحسني من أسلوبك تجاه أمان هو شاب ناضج ويعلم علم اليقين بمصلحته اتركيه يفعل ما يحلو له لا داعي للتحكم المستمر بكل تصرفاته وأفعاله دعيه وشأنه.
أعلم أنه يهتم بشئون عمله ولم يحدث شيئا إذا ذهب ليستمتع قليلا بعيدا عن توتر العمل فهو لم يرح أعصابه منذ اقتراب ذلك الافتتاح فهو يشعر بالضغط الزائد وعليه الراحة.
نظرت له مستنكرة حديثه ثم قالت وهي تنهض من جانبه
خالد لا تتدخل أنا أعلم جيدا كيف أتعامل مع أبنائي تابع أنت عملك.
هز رأسه بأسى ثم التقط هاتفه وأجرى اتصالا بسكرتيرته الخاصة قائلا
هل أرسلت دعوات الحفل نرمين
صمت قليلا ثم أردف قائلا
تولي كل شيء يخص الحفل إلى أن يأتي أمان حسنا إلى اللقاء.
ثم أغلق الهاتف وصعد إلى الطابق الثاني قبل أن يدلف لغرفته سارت قدماه إلى حيث الغرفة الخاصة بابنه.
طرق بابه برفق ثم دلف بهدوء وجد رحيل شاردا وهو يمسك بفرشاة الألوان ويخط بها اللوحة المثبتة أعلى الحامل الخشبي.
ربت على كتفه برفق لينظر له رحيل بابتسامته الودودة
مرحبا والدي العزيز في غرفتي المتواضعة!
ثم أشار بالفرشاة إلى اللوحة التي يرسمها قائلا
ما رأيك والدي الحبيب في إبداع فلذة كبدك
دقق خالد النظر في تلك اللوحة ثم همس بتساؤل
ماذا رسمت بني
أمسك رحيل الفرشاة ثم أشار على لوحته
هذه السماء الصافية وهنا وضعت الغيوم وبجانبهم القمر يضيئ السماء ولكن لا أعلم بماذا أطلق على تلك اللوحة أبي
ثم أردف قائلا
أشعر بالحيرة في اختيار اسم يليق بجمالها ما رأيك في غيوم القمر
هز خالد رأسه ثم قال بشرود وهمس بصوت خاڤت
سوف تكون أكثر جمالا إذا رسمت وجه فتاة في هذا القمر وتصبح الفتاة هي التي تنير ظلمة السماء وسط الغيوم.
أعجبت رحيل بأفكار والده ليهتف بحماس
رائعة تلك الفكرة وسوف أنفذها.
ربت خالد على كتفه ثم قال قبل أن يغادر الغرفة
سأخلد للنوم تصبح على خير بني.
وحضرتك من أهل الخير أبي.
بمنزل حورية بعد أن انتهت من طهي البيتزا دلفت لغرفة الصالون ونظرت حولها بغرابة ثم هتفت بتساؤل
أين وتين ألم تغادر غرفتها بعد
هتفت شقيقتها بتوتر
لا بد وأنها خلدت للنوم دعيها تنعم بالراحة.
لا لم تنم الآن.
قالتها حورية وهي تسير في خطواتها لتتوجه إلى غرفة ابنتها
سوف أتفقدها.
نظرت سندس لابنيها
بضيق ثم همست بصوت خاڤت
سامحكما الله أتمني ألا تكون قد سمعت ترهاتكما الفارغة.
همست حورية وهي تجذب ابنتها من الفراش قائلة
صغيرتي الجميلة هيا استيقظي لتجلسي معنا بالخارج صنعت لك بيتزا الدجاج التي تعشقينها هيا انهضي.
أخفت دموعها عن والدتها ثم سارت جانبها وحاولت رسم ابتسامتها الرقيقة وهي تصافح خالتها وابنيها.
رمقتها مريم بنظرات مبهمة جلست على مضض وتناولت العشاء معهم دون أن تتفوه بكلمة فقد كانت مچروحة بسبب ما قاله ابن خالتها وظلت شاردة
فهل ستظل حياتها هكذا تعيش على الهامش لا يشعر بها أحد ولا تحاول أن تقترب من العالم الخارجي فهي تشعر بأنها منبوذة وأنها محطمة من
الداخل ولم تقدر على مواجهة من حولها.
عاد أمان فجرا بعد أن لبى رغبة والدته كان يشعر بالإرهاق بسبب قيادته لسيارته
متابعة القراءة